Return to site

رجوك...لا تدفعني!

مقال عني بعنوان رجوك...لا تدفعني! للكاتب الرائع عبدالله المغلوث

· article

رجوك...لا تدفعني!

broken image

"أرجوك، لا تدفعني. أستطيع أن أتحرك بمفردي".

جملة ترتطم بأي شخص يحاول أن يدفع الكرسي المتحرك للشاب منار منير الصغير (23 عاما). لا يقبل منار أي نظرة شفقة، وأي مساعدة. فهو قادر على فعل كل شيء وحده. كل شيء. عندما تذهب إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، التي سيتخرج منها الصيف المقبل، ستجده في كل مكان. في مختبرات الكمبيوتر. وفي الصالة الرياضية. وفي عمادة شؤون الطلاب. سيخامرك شعور عندما تشاهده في كل تلك الأماكن في أوقات متقاربة، إنه يركب طائرة تحمله على متنها من مكان إلى آخر. لكن في الحقيقة أنه لا يركب سوى طموحه الذي يجعله يطير!

وأكثر ما يلفتك في منار سعادته التي تكسو وجهه، وابتسامته التي لا تخلو منها ملامحه الوادعة هذه البهجة التي تجعلني أشك أنه يبتلع شارلي شابلن في جوفه أو دريد لحام على أقل تقدير. فهو في فرح لا ينقطع، تعبر عنه أطرافه، وعيناه، وقمصانه الأنيقة ذات الأكمام القصيرة، وتفوقه الدراسي.

من يشاهد منار على الكرسي سيعتقد أنه ولد عليه من فرط انسجامهما وتآلفهما معاً. لكن الواقع خلاف ذلك تماما. فمنار لم يجلس على الكرسي إلا قبل 6 سنوات فقط. وتحديدا في 20 يوليو عام 2002م عندما أجرى عملية جراحية في عموده الفقري في مستشفى (برنسيس جريس) بلندن. فقبل إجرائه العملية لم يكن يعاني سوى من انحناءة طفيفة في كتفه الأيمن وبعد العملية أصبح يعاني من مشكلة في حبله الشوكي.

قبل العملية كان يمشي على قدميه. وبعد العملية صار يمشي بيديه على كرسي متحرك.

استقبل منار نبأ شلله بإيمان واحتساب كبيرين ساهم في صمود والديه وعدم انهيارهما. رباطة الجأش التي تحلى بها انعكست على معنويات أسرته.

يقول منار:"كان أمامي خياران، أن أنكفئ وأموت، أو أمضي وأعيش". اختار أن يعيش. مضى في علاج طبيعي شاق. فبدأ يتحسن بصورة تدريجية، لكن لا فرار من الكرسي. بعد أن قضى 3 أشهر في بريطانيا امتلأت فيها معدته بالأدوية والمسكنات، عاد إلى المملكة جائعا،

تواقا لرؤية شقيقاته الثلاث ندى(18 عاما)، وزينب(13 عاما)، وعلياء(11 عاما). سعادته بلقائهن أنسته كل الأيام الصعبة التي تجرعها في لندن وفتحت شهيته للدراسة والنجاح.

بعد أقل من عام من عودته من بريطانيا استأنف دراسة الثانوية العامة في مدرسته التي غادرها: مدرسة تاروت الثانوية. لم يكن الأمر سهلا أن يعود لمدرسته. فمدرسته شأنها شأن السواد الأعظم من مدارسنا، لم تألف الكراسي المتحركة، مما دفع والده إلى التكفل بتمهيد وتعبيد ممرات المدرسة وأزقتها من جيبه الخاص لتستطيع أن تستقبل ابنه منار وكرسيه.

عاد منار إلى مقاعد الدراسة وكله إصرار أن يتفوق وألا يخذل أبويه. كان يذاكر وهو يحمل حلمهما في رأسه. حلمهما بدخول جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومتابعة دراسته العليا. كان يتحامل على آلامه في سبيل حلمهما. كان يدرك أنه فقد قدميه، لكن لم يفقد عقله وطموحه.

وبالفعل، نجح منار بتفوق في الثانوية العامة أذهل القاصي والداني، ودخل الجامعة التي يبتغيها، والتخصص الذي ينشده. وضرب مثالا ولا أروع في الصبر والتغلب على الإحباط، واليأس.

سيتخرج منار من الجامعة بعد شهور قليلة، وسيتابع دراسته العليا، ليثبت أن الإعاقة ليست في الأجساد بل في العقول.

تذكروا اسم منار جيداً. فهذا الفتى لن يتوقف عن حصد الإعجاب، وخطف الألباب بجسارته وشجاعته وذكائه. تحية لوالديه اللذين لم يدفعا كرسيه، لكن دفعا أحلامه وطموحاته، ولم يخبئانه كما يفعل نحو 720 ألف أب في المملكة يخجلون من ظهور أبنائهم المعاقين.

 

الكاتب الرائع عبدالله المغلوث